المدارس التي يصعب فيها توظيف المعلّمين ضمن حملة (#تحوُّل_المعلّمين TeachersTransform#): كيف ساعدت المعلّمة طلابها على الازدهار رغم كل العوائق
"الكثير من المعلّمين مُستعدّون لبذل جهدٍ إضافي، لكن يجب ألا يخاطروا بحياتهم. إذا توفرت الأنظمة والهياكل الداعمة، فمِن شأنها أن تمنحهم الأدوات التي يحتاجون إليها لمساعدة تلاميذهم."
كانت مدرسة «أوكي-أودو» (Oke-Odo) الثانوية في لاغوس، نيجيريا،قبل عشر سنواتٍ فقط، واحدة من أضعف المدارس من حيث الأداء وكان الأصعب تأمين عددٍ كافٍ من المعلمين لها. أما اليوم، أصبح طلابها من المتفوِّقين في المسابقات الدولية، والنتائج التي أحرزوها في الامتحانات حدَّدت المعايير الأخرى التي ينبغي للمدارس الأخرى اتباعها.
كيف حققوا هذا المستوى؟
تقع مدرسة «أوكي-أودو» في منطقة أليموشو؛ وهي واحدة من بين أربع مدارس ثانوية فقط مفتوحة لاستقبال مجتمعٍ فقير يضمُّ أكثر من 1.3 مليون نسمة. تقع المدرسة على بُعد أميالٍ قليلة من سوقَين اثنين من أكبر الأسواق في نيجيريا، ومن أحد مدافن النفايات الرئيسية في المنطقة. غالباً ما تكون الضوضاء والحشود ورائحة القمامة المتعفنة مزعجة لمَن يزور المدرسة لأوَّل مرة.
لكن عندما بدأت أديولا أديفيمي بالتدريس هناك في عام 2013، نظرت إلى ما وراء هذه البيئة وأدركت إمكانات الطلاب في المدرسة.
« نظرتُ في وجوههم، وفكرتُ، ’هذا ليس خطأهم‘. يجب ألا يتأثر مستقبلهم بمحل ولادتهم، وأدركتُ مدى قدرتهم على الصمود، وعرفتُ أنني هنا لإحداث تغيير في حياتهم كي يتمكنوا من تغيير مجتمعاتهم المحلية.»
لم تكُن «أوكي-أودو» إلا مدرسة من بين آلاف المدارس حول العالم التي تكافح لجذب المعلّمين المؤهلين. يصعب وفقاً لبحثٍ أجراه مركز التنمية العالمية، إيجاد العدد الكافي من المعلمين المؤهلين لتشغيل المدارس ذات أداء سيئ في المناطق الفقيرة. كما أنَّ المدارس التي تقع في المناطق الحضرية شديدة الفقر قد تعاني تمويلاً تقديرياً متدنياً أو تفتقر إلى تجهيزاتٍ الأخرى. يجعل هذا من توظيف المعلّمين والاحتفاظ بهم — خاصة المعلّمين ذوي المؤهلات العالية — تحدياً مستمراً.
خلق فرص التفوق لطلابها
لم تسمح أديولا أن يؤدي نقص الموارد في المدرسة إلى تأثيرٍ سلبي على مواصلة مهمتها في التدريس. أطلقت أديولا بدلاً من ذلك، الكثير من النوادي الخارجية للشعر والكتابة والخطابة والنقاش والدراما في المدرسة. ثم بدأت في تسجيل طلابها في مسابقات مدرسية رسمية ووطنية لبناء ثقتهم بأنفسهم.
فازت المدرسة بأكثر من 30 مسابقة محلية ودولية في غضون عامٍ واحد.
تذكر أديولا « أحد الأشياء الرئيسية التي حققتها بشكلٍ صحيح منذ البداية، كان إقامة علاقات مع طلابي. يأتي الكثير منهم من بيئاتٍ قاسية للغاية، وبعضهم هم المعيلون الرئيسيون لأُسَرهم، لذلك يأتون إلى المدرسة في النهار ويعملون في السوق ليلاً.
أردتُ أن أساعد طلابي على الإيمان بأنفسهم وأن يدركوا أنهم ليسوا سجناء في بيئتهم. لذلك بدأتُ برنامج إرشادي بعنوان «كل طفل مهم» وحملة «طفلة وليست عروساً» التي تستخدم الشعر والمسرحيات لإذكاء الوعي بشأن مخاطر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وزواج الأطفال.
لقد تأثرتُ بشدّة بل وتشجَّعتُ عندما رأيتُ أحد طلابي يتغلَّب على التلعثم وصعوبات التعلم لتمثيل نيجيريا في مسابقة أُجريَت في المملكة المتحدة. لقد فاز في مسابقة المقال! وهو الآن يدرس هندسة التعدين.
لذلك قصته محفزة لي ولجميع الطلاب الآخرين أيضاً. لكن تخيَّل ما بمقدورنا فعله بعد إذا تم الوصول إلى مزيدٍ من الموارد والدعم؟»
العقبات التي تحول دون جذب المعلّمين إلى المدارس التي يصعب فيها التوظيف
تعتقد أديولا إلى جانب رواتب المعلّمين المنخفضة، أنَّ هناك ثلاث عقبات رئيسية تمنع المعلّمين المؤهَّلين والشغوفين للمهنة من تولي مناصب في المدارس التي يصعب فيها التوظيف مثل «أوكي-أودو».
«تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية في اكتظاظ الفصول الدراسية، ولا يقتصر الأمر على صعوبة التدريس بهذه النسبة العالية من المعلّمين إلى الطلاب، بل على العمل الإضافي الذي يتعيَّن القيام به، حيث يُجبر المعلّمون في نهاية المطاف إلى تصحيح 1000 ورقة أو أكثر في الأسبوع. هذه المهمة مستحيلة بكل بساطة.»
ترى أديولا كذلك أنَّ السلامة تشكّل قضيةً رئيسية بالنسبة للمدارس التي يبدو فيها توظيف المعلمين أمراً صعباً.
«عندما تُدرِس في مدرسة كهذه، ستواجه عدداً كبيراً من المشكلات الاجتماعية والمشكلات المتعلقة بالسلامة كل يوم. في مثل هذا المجتمع السكاني المكتظ والشديد الفقر، يكثر العنف في المنازل، وينتقل كذلك إلى الفصل الدراسي. كان لزاماً عليّ مساعدة عدد من طلابي في الإبلاغ عن الاعتداء الجنسي، وتحديد الدعم المناسب لهم للتعامل مع الصدمات. كان عليّ أيضا أن أزور والدَي إحدى الفتيات لكي أقنعهما بضرورة السماح لها بمواصلة تعليمها بدلاً من الزواج. لقد واجهتُ الخطر عدة مرات، داخل المدرسة وخارجها.»
ترى أديولا أنَّ تقديم الدعم للمعلّمين هو أمر بالغ الأهمية. «نحن بحاجة إلى الدعم للقيام بمهامنا؛ من الوصول إلى الأشياء البسيطة مثل الكتب و الأدوات المكتبية إلى الأدوات الرقمية وهياكل الدعم الاجتماعي والحكومي.
«نحن نتحمل عبئاً كبيراً من المسؤولية تجاه من نعلمهم. فعملنا لا يقتصر على شرح الدروس فحسب، بل نحن ندافع عن طلابنا ونساعدهم في بناء حياةٍ أفضل لأنفسهم. يجب أن نضمن أنَّنا عندما نثير قضيةً ما - مثل اغتصاب أحد تلاميذتنا أو إجبارها على الزواج - سوف تعمد السلطات المعنيَّة إلى معالجة القضية بسرعة.
الكثير من المعلّمين مُستعدّون لبذل جهدٍ إضافي، لكن يجب ألا يخاطروا بحياتهم. إذا توفرت الأنظمة والهياكل الداعمة، فمِن شأنها أن تمنحهم الأدوات التي يحتاجون إليها لمساعدة تلاميذهم.»
كيف يمكن جذب المزيد من المعلّمين إلى المدارس التي يصعب فيها التوظيف؟
للمساعدة في معالجة قضية الاكتظاظ ونقص الدعم، يمكن تخصيص المزيد من التمويل الحكومي للمدارس في المناطق الفقيرة من أجل المساعدة في توظيف المزيد من المعلّمين، وبناء المزيد من الفصول الدراسية، وتطوير هياكل أكثر دعماً.
تشير الأبحاث إلى أنَّ نسبة 10 في المائة من موارد التعليم العام تذهب إلى الأطفال الأشد فقراً، بينما تذهب نسبة 38 في المائة إلى الأطفال الأكثر ثراءً. يتعيَّن على الحكومات أن تعتمد سياسات لتخصيص الموارد تُركِّز صراحةً على أشدّ الأطفال ضعفاً.
إنَّ مجموعة أدوات المعلّم التابعة لليونيسكو - المعهد الدولي لتخطيط التعليم (UNESCO-IIEP) تسلّط الضوء على صعوبات اجتذاب المعلّمات وضمان سلامتهن. كذلك للمساعدة في جعل المدارس مكاناً آمناً للتدريس والتعلُّم، يجب أن تتصدى السياسات المدرسية للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وتعزز إنشاء شبكة دعم النظراء الخاصة بالمعلّمين، وتعمل على إدخال برامج إرشادية.
يثبت نجاح الطلاب الذين نشأوا على يد أديولا أنَّ المعلّمين الذين يعملون بشغفٍ للمهنة قادرين على المساعدة في تغيير حياة الطلاب ومجتمعاتهم المحلية. لكن تخيَّلوا كم عدد الأطفال الذين يمكن الوصول إليهم إذا بُذلَت جهودٌ إضافية من أجل المساعدة في تلبية احتياجات المعلّمين في المدارس التي يصعب فيها التوظيف؟
«أعتقد أنَّ ما يحتاج إليه كل معلّم بشكلٍ أساسي هو الدعم من المعلّمين الآخرين، ومن المدير، وأولياء الأمور، والمجتمع المحلي، والحكومة. يجب أن نعرف أنَّنا لسنا وحدنا.»
يُرجى قراءة المزيد عبر:
التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة في إطار حملة (#تحوُّل_المعلّمين TeachersTransform#): إرساء أُسُس متينة لمستقبل الأطفال
« علَّمتني السنوات التي قضيتها في المهنة أننا أكثر بكثير من «مجرّد» معلّمين. فنحن أيضاً قدوة، وأصدقاء، وأمهات، وأقرب المقربين لتلاميذنا.»
بعد العمل كمحلّلة بيانات في جامايكا لمدة 18 عاماً، اتخذت شيريل ميللر قراراً جريئاً بترك وظيفتها والعودة إلى الجامعة والدراسة للحصول على شهادة في الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة (ECCE). وبعد عشر سنوات من تخرجها، لم تنظر إلى الوراء.
تقول شيريل «لطالما أخبرني الناس أنَّ مهنة التعلم تليق بي، ولكنني لم أتَّخذ القرار إلا عندما بلغت سنَّ التاسعة والثلاثين حين قررت أن الوقت قد حان لتغيير مسيرتي المهنية والانتقال إلى مهنة التدريس.»
أمضت شيريل عامَين في الدراسة للحصول على دبلومها، وأربع سنوات أخرى للحصول على شهادتها في تعليم الطفولة المبكرة. واليوم، بعد عقد من الزمن في قطاع الطفولة المبكرة، لا تزال شيريل واثقة من أنها اتخذت القرار الصحيح.
تضيف شيريل «قد تبدو هذه الوظيفة صعبة في بعض الأحيان. فهي تستحوذ على الكثير من وقتي وطاقتي ومواردي. لكن مكافأتي في نهاية اليوم تكمن في رؤية الأطفال يزدهرون.»
«إنَّها ليست وظيفتي فحسب، بل هي مهنتي»
وفقاً لليونيسف، يُشكّل التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة أساس التعليم الأساسي عالي الجودة. إنها تساعد الأطفال على تطوير المهارات الأساسية الحاسمة في الحساب ومحو الأمية، بالإضافة إلى المهارات الاجتماعية والعاطفية التي يحتاجون إليها للنجاح في الحياة.
«علَّمتني السنوات التي قضيتها في المهنة أننا أكثر بكثير من "مجرّد" معلّمين.» فنحن أيضاً قدوة، وأصدقاء، وأمهات، وأقرب المقربين لتلاميذنا. يخبرنا تلاميذنا أحياناً بأشياء تحدث في المنزل، ويجب أن نتَّخذ الإجراءات اللازمة ويجب التدخل من أجل سلامتهم. فهم أحياناً لا يحتاجون إلا إلى عناقٍ أو تشجيع.»
يواجه مدارس و معلّمو الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة عدداً من العقبات
فعلى الرغم من أنَّ التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة معترف به كأساس بالغ الأهمية لكل طفل، لا يزال المعلّمون في تلك المرحلة يواجهون الكثير من العقبات في جميع أنحاء العالم.
«نحاول أن نجعل دروسنا تفاعلية قدر الإمكان لجذب انتباه الأطفال في سن الثالثة والرابعة والخامسة. إنهم يتعلمون من خلال اللمس، والرؤية، والتذوق ... ونحن نحتاج إلى الموارد لتوفير هذه التجارب لهم. وغالباً ما يلجأ المعلّمون في نهاية المطاف إلى شراء أشياء مثل القرطاسية والكتب والمواد التعليمية من أموالهم الخاصة. فأنا في فصلي الدراسي، أشتري الكثير من الموارد لمادة العلوم ولزاوية محو الأمية.
انضممتُ إلى لجنة الطفولة المبكرة في جمعية المعلّمين في جامايكا حتى أتمكن من المساعدة في الضغط من أجل المعلّمين، وإذكاء الوعي بشأن افتقارنا إلى الوصول للدعم والموارد.»
يحتاج المعلّمون إلى مزيد من الاعتراف والاحترام لالتزامهم بالتعليم
وفقاً لشيريل، ثمة عقبة أخرى تقف في طريق قطاع الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة وتتمثل في عدم الاعتراف عموماً بأهمية التعلُّم الأساسي.
«أحياناً، ينظر إليكِ الأهل على أنَّكِ مجرد "جليسة أطفال". لكن يجب أن تتذكَّري دائماً بأنَّكِ لستِ موجودة من أجل البالغين. بل أنتِ موجودة في ذلك المكان من أجل التلاميذ.»
تقول شيريل «تماماً كما ينمو الأطفال من خلال الزحف والحبو والوقوف والتنقل والمشي خطوة بخطوة، فإنَّ التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة يساعدهم على التطوُّر كذلك. نحن نرشدهم من خلال خطوات لتعلُّم الحروف والأرقام والأشكال والألوان.»
تعتقد شيريل أنَّه رغم أنَّ جائحة كوفيد-19 عطلت التعلُّم بشدة، إلا أنها حققت أيضاً بعض النواتج الإيجابية.
«لقد ساعدت الجائحة في إدراك الأهل لمدى أهمية تعليم الطفولة المبكرة. عندما أشرفوا على أطفالهم أثناء الدروس عبر الإنترنت، كانت هذه هي المرة الأولى التي يرَوْنَ فيها حقاً ماذا نفعل وكيف نقوم بعملنا. كما ساعدت في بناء علاقة أكثر ثقة بين الأهل والمعلّمين.»
رغم حصول المعلّمين ربما على المزيد من الدعم والاحترام من الأهل أثناء الجائحة، كان ينبغي على الكثير من المعلّمين في مرحلة الطفولة المبكرة وضع استراتيجياتهم الخاصة، واستخدام مواردهم الخاصة لمساعدة طلابهم على الاستمرار في التعلم أثناء عمليات الإغلاق.
كشف تقرير اليونسكو العالمي لرصد التعليم عن الجهات الفاعلة غير الحكومية في مجال التعليم أنَّ 55 في المائة فقط من البلدان زوَّدت معلّمي المدارس ما قبل الابتدائية بتعليمات لضمان استمرارية التعلم أثناء الجائحة، مقارنة بنحو 70 في المائة من البلدان بالنسبة إلى مستويات التعليم الأخرى.
كما سلَّطت جائحة كوفيد-19 الضوء على حاجة الحكومات إلى الاستثمار في تزويد المدارس بالموارد والتكنولوجيا
كما تقول شيريل «لقد فوَّت الكثير من الأطفال فرصة التعليم أثناء عمليات الإغلاق، حيث لم يكن لديهم إمكانية الوصول إلى الأجهزة أو البيانات. عندما عاد الأطفال إلى المدرسة، لاحظنا انخفاضاً في مستويات القراءة والكتابة والحساب.»
كما أنَّ قواعد التباعد الاجتماعي أجبرت الكثير من المدارس على تقليل عدد الأطفال في الفصل.
تقول شيريل «في جامايكا، لا تزال قواعد التباعد الاجتماعي سارية. لذلك، لم يتمكَّن بعض الطلاب من العودة إلى المدرسة لأنَّ المؤسسات الميسورة التكلفة ممتلئة تماماً، بينما لا يمتلك الأهل ما يكفي من الموارد لتسجيلهم في مدارس بديلة.»
أدَّت الجائحة أيضاً إلى استنزاف المعلّمين وزيادة الاستقالات
«لتشجيع المعلّمين على البقاء ومواصلة تحويل التعليم على هذا المستوى، نحتاج إلى مزيد من الدعم المالي والموارد. ونحن بحاجة إلى ضمان حصول المعلّمين على مزيد من الاحترام والتقدير على العمل الذي يؤدونه.»
تنظم اليونسكو المؤتمر العالمي بشأن الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة في طشقند، أوزبكستان في الفترة من 14 إلى 16 تشرين الثاني/نوفمبر، لإعادة التأكيد على التزام الدول الأعضاء بدعم «حق كل طفل صغير في رعاية جيدة وتعليم جيد منذ الولادة».
يُرجى قراءة المزيد عبر:
نقص المعلّمين يُشكّل أزمة عالمية: كيف يمكننا احتوائها؟
هذه المدوَّنة نُشرت في الأصل في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2022، على الموقع الالكتروني للشراكة العالمية للتعليم.
أصبحت وسائل الإعلام -مع بداية العام الدراسي الجديد في الكثير من البلدان- تضجّ بأخبار أزمةٍ متنامية تتمثل في نقص المعلّمين، حتى أنَّ أكثر المعلّمين تفانياً وحماسةً قد سئموا من نقص الدعم والموارد والتقدير. لذلك يبحث تقريرٌ جديد عن الاتجاهات السائدة في مهنة التدريس في جميع أنحاء العالم ويقدّم توصيات من أجل تحسينها.
تُظهر البيانات الحديثة أنَّ أفريقيا جنوب الصحراء وحدها تحتاج إلى توظيف 16.5 مليون معلّم إضافي من أجل تحقيق أهداف التعليم بحلول عام 2030 بحسب آخر الاحصائيات التي أجراها فريق العمل الخاص المعني بالمعلمين واليونسكو، والتي صدرت بالتزامن مع اليوم العالمي للمعلّمين،.
هذا يعني أنَّ هناك حاجة إلى 5.4 مليون معلّم جديد في التعليم الابتدائي و11.1 مليون في التعليم الثانوي، من أجل تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان في سن الدراسة في المنطقة، والتخفيف من الأعداد المتزايدة للأطفال غير الملتحقين بالمدارس.
تشهد منطقة الساحل بعض التحديات الكُبرى، بما في ذلك النيجر وتشاد، إذ تحتاج إلى مضاعفة عدد المعلّمين العاملين في المرحلة الابتدائية من أجل تحقيق الأهداف.
أمّا في جنوب آسيا، فعلى الرغم من التقدُّم المُحرَز في بعض بلدان المنطقة إلا أنَّ النقص لا يزال كبيراً، إذ تحتاج المنطقة إلى سبعة ملايين معلّم: سوف تحتاج المنطقة إلى 1.7 مليون معلّم لمرحلة التعليم الابتدائي، و5.3 مليون معلم لمرحلة التعليم الثانوي لكن مع ذلك، تُعدُّ هذه الأعداد أقل بكثير من التوقعات السابقة.
قد يُعزى التراجع في نقص المعلّمين اللازمين للمرحلة الابتدائية إلى التَقدُّم المُحرَز نحو تعميم التعليم الابتدائي في بنغلاديش والهند، فضلاً عن انخفاض معدلات المواليد.
لكن في أماكن أخرى من المنطقة نفسها، مثل: أفغانستان وباكستان، ينبغي زيادة معدل النمو السنوي لمعلّمي المرحلة الابتدائية بنحو 50٪ أو بأكثر من 10٪ سنوياً من أجل تعميم التعليم الابتدائي بحلول عام 2030.
إنَّ نقص المعلّمين ليس مجرد أزمة عالمية نامية بل إنَّها أزمة نعاني منها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البلدان مثل: أستراليا، والصين، وإستونيا، وفرنسا، وبريطانيا العظمى، واليابان، وماليزيا، وهولندا، والولايات المتحدة، وغيرها.
أزمة المعلّمين الحالية تفاقمت خاصة بسبب جائحة كوفيد-19
تُتَّهم جائحة كوفيد-19 بأنَّها تسبَّبت ببعض أوجه القصور – إلى جانب التدهور الصحي والضغط المرتبط بالجائحة الذي أجبر المعلّمين إلى العمل خارج الفصول الدراسية. لكننا ندرك جيداً أنَّ الجائحة لم تكُن سوى مجرَّد نقطة تحوُّل – بل ساعدت في تفاقم هذا النقص الذي كان قد بدأ بالفعل في التحول إلى مشكلة حتى قبل تفشي الجائحة.
إنَّ ترك المعلّمين لمهنتهم وتناقص أعدادهم يشكّل مصدراً كبيراً للقلق المرتبط بمهنة التدريس، ويترافق مع آثارٍ خطيرة على التعلُّم. قد ذكرت مقالة نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية (The Guardian) أنَّ 44٪ من المعلّمين في إنجلترا يخطّطون للاستقالة في السنوات الخمسة المقبلة، حيث يُلقي معظمهم اللَّوم على عبء العمل الثقيل، بينما في ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية، كشف استطلاع رأي شمل 8,600 معلّم أنَّ أكثر من نصفهم يخطّطون لمغادرة المهنة في السنوات الخمسة المقبلة.
يُعزى تناقص أعداد المعلّمين إلى أسبابٍ كثيرة، بما فيها نقص الحوافز المالية، وظروف العمل السيئة، وأعباء العمل الثقيلة، والنقص في الإعداد، والاستقلال الذاتي المحدود، والدعم الإداري الضعيف، والتصميم الرديء للفصول الدراسية، ونقص الموارد التعليمية.
كما أنَّ اللجوء إلى الهجرة بحثاً عن فرصٍ أفضل للعمل تشكّل مصدراً آخر أيضاً لتناقص أعداد المعلمين. فقد كشفت دراسة حديثة اُجرِيَت في فرنسا أنَّ المعلّم المبتدئ كان يتقاضى 2.3 أضعاف الحد الأدنى للأجور في ثمانينيات القرن العشرين. أمّا راتب المعلمين اليوم فلا يعادل إلا 1.2 أضعاف فقط.
تزداد ظروف التدريس سوءًا في المناطق المحرومة من الخدمات وفي سياق الأزمات بسبب الافتقار إلى المؤهّلات وفرص التطوير المهني للمعلّمين، فضلاً عن أنماط التوظيف غير المنصفة التي تُعيِّن المعلّمين الأقل تأهيلاً وخبرةً في المناطق التي تحتاج إلى أفضل المعلمين.
يجب اتخاذ إجراءاتٍ عاجلة لمعالجة النقص في أعداد المعلّمين
شرعت بعض البلدان في تنفيذ حلولٍ قصيرة الأجل عبرالتصدّي لأعراض المشكلة، أي استقالة المعلّمين، بدلاً من معالجة أسبابها. عمدت بعض المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مضاعفة عدد الفصول الدراسية وزيادة عبء العمل المُلقى على عاتق المعلّمين الذين لم يتركوا وظائفهم، بينما تعمل مدارس أخرى على خفض متطلّبات التوظيف وتعمد إلى توظيف معلّمين أقل كفاءة.
تتبنى بعض البلدان في الوقت نفسه استراتيجيات توظيف مثيرة للجدل، بما في ذلك اللجوء إلى المعلّمين المتعاقدين بشكلٍ متزايد؛ ففي إيطاليا التي تضمُّ معلّمين يُعتبرون في المتوسط من بين الأقدم في المنطقة، تمَّ تعيين معلّمين بالتعاقد لشغل 150,000 وظيفة بالفعل.
سعياً إلى المساعدة في الحد من النقص العالمي في عدد المعلّمين بما يتماشى مع المشاورات العالمية الأخيرة في إطار قمة تحويل التعليم، يوصي المؤلفون بأن تضطّلع الحكومات على وجه السرعة بما يلي:
- تحسين الوضع والمكانة الاجتماعية لمهنة التدريس من أجل جذب المزيد من المرشحين، عن طريق تعزيز الحوار الاجتماعي ومشاركة المعلّمين في صُنع القرارات التربوية.
- صياغة وتنفيذ السياسات التي تُعنى بشؤون المعلمين والتي تقوم على احتساب وتقدير التكاليف المرتبطة بالحاجة إلى توظيف المزيد من القوى العاملة في مجال التدريس وإدماج المعلّمين المتعاقدين تدريجياً في الخدمة المدنية العامة، إلى جانب تحسين الشروط التعاقدية.
- تحسين التمويل الخاص بالمعلّمين عبر وضع استراتيجيات وطنية متكاملة للإصلاح والحوكمة الفعّالة، كذلك من خلال تخصيص نسبة تتراوح بين 4 إلى 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي أو نسبة تتراوح بين 15 إلى 20٪ من الإنفاق العام على التعليم.
- ضمان تحديد رواتب تنافسية للمعلّمين مقارنةً برواتب المهن الأخرى التي تتطلّب مستويات مماثلة من المؤهلات، وضمان أن تشمل مهنة التعليم حوافز تشجّع المعلمين على الاستمرار بمزاولتها بناءً على الخبرات والمؤهلات، مع إتاحة التنقل الرأسي والأفقي طوال فترة عمل المعلّمين.
- تعزيز المساواة بين الجنسَين في مهنة التدريس ومعالجة أوجه التحيُّز بين الجنسَين في مختلف مستويات التعليم والتخصُّصات، ودعم المرأة لتولّي أدوار قيادية في المهنة.
- تطوير عمليات تأهيل واعتماد أكثر مرونة تتيح إنشاء مداخل متعددة لجذب المزيد من الأشخاص المؤهَّلين إلى الانضمام للمهنة، مع الحفاظ على معايير الجودة.
مصدر الصورة: GPE/Kelley Lynch. السيد إبراهيم، مشرف علم النفس في كلية سادو غالاديما لتدريب المعلمين في نيامي، النيجر، مع طلاب مدرسين.