"الكثير من المعلّمين مُستعدّون لبذل جهدٍ إضافي، لكن يجب ألا يخاطروا بحياتهم. إذا توفرت الأنظمة والهياكل الداعمة، فمِن شأنها أن تمنحهم الأدوات التي يحتاجون إليها لمساعدة تلاميذهم."
كانت مدرسة «أوكي-أودو» (Oke-Odo) الثانوية في لاغوس، نيجيريا،قبل عشر سنواتٍ فقط، واحدة من أضعف المدارس من حيث الأداء وكان الأصعب تأمين عددٍ كافٍ من المعلمين لها. أما اليوم، أصبح طلابها من المتفوِّقين في المسابقات الدولية، والنتائج التي أحرزوها في الامتحانات حدَّدت المعايير الأخرى التي ينبغي للمدارس الأخرى اتباعها.
كيف حققوا هذا المستوى؟
تقع مدرسة «أوكي-أودو» في منطقة أليموشو؛ وهي واحدة من بين أربع مدارس ثانوية فقط مفتوحة لاستقبال مجتمعٍ فقير يضمُّ أكثر من 1.3 مليون نسمة. تقع المدرسة على بُعد أميالٍ قليلة من سوقَين اثنين من أكبر الأسواق في نيجيريا، ومن أحد مدافن النفايات الرئيسية في المنطقة. غالباً ما تكون الضوضاء والحشود ورائحة القمامة المتعفنة مزعجة لمَن يزور المدرسة لأوَّل مرة.
لكن عندما بدأت أديولا أديفيمي بالتدريس هناك في عام 2013، نظرت إلى ما وراء هذه البيئة وأدركت إمكانات الطلاب في المدرسة.
« نظرتُ في وجوههم، وفكرتُ، ’هذا ليس خطأهم‘. يجب ألا يتأثر مستقبلهم بمحل ولادتهم، وأدركتُ مدى قدرتهم على الصمود، وعرفتُ أنني هنا لإحداث تغيير في حياتهم كي يتمكنوا من تغيير مجتمعاتهم المحلية.»
لم تكُن «أوكي-أودو» إلا مدرسة من بين آلاف المدارس حول العالم التي تكافح لجذب المعلّمين المؤهلين. يصعب وفقاً لبحثٍ أجراه مركز التنمية العالمية، إيجاد العدد الكافي من المعلمين المؤهلين لتشغيل المدارس ذات أداء سيئ في المناطق الفقيرة. كما أنَّ المدارس التي تقع في المناطق الحضرية شديدة الفقر قد تعاني تمويلاً تقديرياً متدنياً أو تفتقر إلى تجهيزاتٍ الأخرى. يجعل هذا من توظيف المعلّمين والاحتفاظ بهم — خاصة المعلّمين ذوي المؤهلات العالية — تحدياً مستمراً.
خلق فرص التفوق لطلابها
لم تسمح أديولا أن يؤدي نقص الموارد في المدرسة إلى تأثيرٍ سلبي على مواصلة مهمتها في التدريس. أطلقت أديولا بدلاً من ذلك، الكثير من النوادي الخارجية للشعر والكتابة والخطابة والنقاش والدراما في المدرسة. ثم بدأت في تسجيل طلابها في مسابقات مدرسية رسمية ووطنية لبناء ثقتهم بأنفسهم.
فازت المدرسة بأكثر من 30 مسابقة محلية ودولية في غضون عامٍ واحد.
تذكر أديولا « أحد الأشياء الرئيسية التي حققتها بشكلٍ صحيح منذ البداية، كان إقامة علاقات مع طلابي. يأتي الكثير منهم من بيئاتٍ قاسية للغاية، وبعضهم هم المعيلون الرئيسيون لأُسَرهم، لذلك يأتون إلى المدرسة في النهار ويعملون في السوق ليلاً.
أردتُ أن أساعد طلابي على الإيمان بأنفسهم وأن يدركوا أنهم ليسوا سجناء في بيئتهم. لذلك بدأتُ برنامج إرشادي بعنوان «كل طفل مهم» وحملة «طفلة وليست عروساً» التي تستخدم الشعر والمسرحيات لإذكاء الوعي بشأن مخاطر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وزواج الأطفال.
لقد تأثرتُ بشدّة بل وتشجَّعتُ عندما رأيتُ أحد طلابي يتغلَّب على التلعثم وصعوبات التعلم لتمثيل نيجيريا في مسابقة أُجريَت في المملكة المتحدة. لقد فاز في مسابقة المقال! وهو الآن يدرس هندسة التعدين.
لذلك قصته محفزة لي ولجميع الطلاب الآخرين أيضاً. لكن تخيَّل ما بمقدورنا فعله بعد إذا تم الوصول إلى مزيدٍ من الموارد والدعم؟»
العقبات التي تحول دون جذب المعلّمين إلى المدارس التي يصعب فيها التوظيف
تعتقد أديولا إلى جانب رواتب المعلّمين المنخفضة، أنَّ هناك ثلاث عقبات رئيسية تمنع المعلّمين المؤهَّلين والشغوفين للمهنة من تولي مناصب في المدارس التي يصعب فيها التوظيف مثل «أوكي-أودو».
«تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية في اكتظاظ الفصول الدراسية، ولا يقتصر الأمر على صعوبة التدريس بهذه النسبة العالية من المعلّمين إلى الطلاب، بل على العمل الإضافي الذي يتعيَّن القيام به، حيث يُجبر المعلّمون في نهاية المطاف إلى تصحيح 1000 ورقة أو أكثر في الأسبوع. هذه المهمة مستحيلة بكل بساطة.»
ترى أديولا كذلك أنَّ السلامة تشكّل قضيةً رئيسية بالنسبة للمدارس التي يبدو فيها توظيف المعلمين أمراً صعباً.
«عندما تُدرِس في مدرسة كهذه، ستواجه عدداً كبيراً من المشكلات الاجتماعية والمشكلات المتعلقة بالسلامة كل يوم. في مثل هذا المجتمع السكاني المكتظ والشديد الفقر، يكثر العنف في المنازل، وينتقل كذلك إلى الفصل الدراسي. كان لزاماً عليّ مساعدة عدد من طلابي في الإبلاغ عن الاعتداء الجنسي، وتحديد الدعم المناسب لهم للتعامل مع الصدمات. كان عليّ أيضا أن أزور والدَي إحدى الفتيات لكي أقنعهما بضرورة السماح لها بمواصلة تعليمها بدلاً من الزواج. لقد واجهتُ الخطر عدة مرات، داخل المدرسة وخارجها.»
ترى أديولا أنَّ تقديم الدعم للمعلّمين هو أمر بالغ الأهمية. «نحن بحاجة إلى الدعم للقيام بمهامنا؛ من الوصول إلى الأشياء البسيطة مثل الكتب و الأدوات المكتبية إلى الأدوات الرقمية وهياكل الدعم الاجتماعي والحكومي.
«نحن نتحمل عبئاً كبيراً من المسؤولية تجاه من نعلمهم. فعملنا لا يقتصر على شرح الدروس فحسب، بل نحن ندافع عن طلابنا ونساعدهم في بناء حياةٍ أفضل لأنفسهم. يجب أن نضمن أنَّنا عندما نثير قضيةً ما - مثل اغتصاب أحد تلاميذتنا أو إجبارها على الزواج - سوف تعمد السلطات المعنيَّة إلى معالجة القضية بسرعة.
الكثير من المعلّمين مُستعدّون لبذل جهدٍ إضافي، لكن يجب ألا يخاطروا بحياتهم. إذا توفرت الأنظمة والهياكل الداعمة، فمِن شأنها أن تمنحهم الأدوات التي يحتاجون إليها لمساعدة تلاميذهم.»
كيف يمكن جذب المزيد من المعلّمين إلى المدارس التي يصعب فيها التوظيف؟
للمساعدة في معالجة قضية الاكتظاظ ونقص الدعم، يمكن تخصيص المزيد من التمويل الحكومي للمدارس في المناطق الفقيرة من أجل المساعدة في توظيف المزيد من المعلّمين، وبناء المزيد من الفصول الدراسية، وتطوير هياكل أكثر دعماً.
تشير الأبحاث إلى أنَّ نسبة 10 في المائة من موارد التعليم العام تذهب إلى الأطفال الأشد فقراً، بينما تذهب نسبة 38 في المائة إلى الأطفال الأكثر ثراءً. يتعيَّن على الحكومات أن تعتمد سياسات لتخصيص الموارد تُركِّز صراحةً على أشدّ الأطفال ضعفاً.
إنَّ مجموعة أدوات المعلّم التابعة لليونيسكو - المعهد الدولي لتخطيط التعليم (UNESCO-IIEP) تسلّط الضوء على صعوبات اجتذاب المعلّمات وضمان سلامتهن. كذلك للمساعدة في جعل المدارس مكاناً آمناً للتدريس والتعلُّم، يجب أن تتصدى السياسات المدرسية للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وتعزز إنشاء شبكة دعم النظراء الخاصة بالمعلّمين، وتعمل على إدخال برامج إرشادية.
يثبت نجاح الطلاب الذين نشأوا على يد أديولا أنَّ المعلّمين الذين يعملون بشغفٍ للمهنة قادرين على المساعدة في تغيير حياة الطلاب ومجتمعاتهم المحلية. لكن تخيَّلوا كم عدد الأطفال الذين يمكن الوصول إليهم إذا بُذلَت جهودٌ إضافية من أجل المساعدة في تلبية احتياجات المعلّمين في المدارس التي يصعب فيها التوظيف؟
«أعتقد أنَّ ما يحتاج إليه كل معلّم بشكلٍ أساسي هو الدعم من المعلّمين الآخرين، ومن المدير، وأولياء الأمور، والمجتمع المحلي، والحكومة. يجب أن نعرف أنَّنا لسنا وحدنا.»
يُرجى قراءة المزيد عبر: