إعداد سياسات خاصة بالمعلّمين مُراعية للأزمات: ندوةٌ شبكية ومشاورةٌ دولية
في مواجهة الاضطرابات والأزمات العالمية المتزايدة، لن يتسنّى ضمان توفير تعليمٍ جيّد ومنصفٍ وشاملٍ للجميع بحلول عام 2030 (الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة) ما لم يصبح التخطيط التربوي مُراعياً للأزمات. وغالباً ما يكون المعلّمون، الذين يُشكِّلون أهم عامل يؤثر على تحصيل الطلاب في المدرسة، في الخطوط الأمامية في أوضاع الأزمات. ولهذا السبب، لا بد من إعطاء الأولوية للمعلّمين ودعمهم وحمايتهم من خلال السياسات التعليمية والتخطيط التربوي الملائمَين.
استناداً إلى المذكرة التوجيهية بشأن إعداد سياسات خاصة بالمعلّمين مُراعية للأزمات، التي اشتركت في إعدادها اليونسكو والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة العمل الدولية واليونيسف في عام 2020 في إطار المبادرة النرويجية للمعلّمين، جمعت الندوة الشبكية بشأن السياسات والخطط الخاصة بالمعلّمين المُراعية للأزمات في حالات الطوارئ وحالات النزوح، التي عُقِدت في 16 أيلول/سبتمبر، خبراءَ في مجال السياسات وممثلي البلدان والمعلّمين بُغْيَة تسليط الضوء على ما يلزم اتخاذه لضمان أن تكون السياسات الخاصة بالمعلّمين مُراعية للأزمات.
وفي مناقشةٍ تناولت المجالات السياساتية الرئيسية الواردة في المذكرة، تبادل المشاركون الدروس المستفادة في خلال الأزمات السابقة والجارية، وتوسّعوا فيها حول دور المعلّمين في سياقات الطوارئ والنزوح ودعوا إلى زيادة الدعم المقدم إلى المعلّمين في مثل هذه السياقات.
النزوح يفضي إلى نشوء تحديات في مجال استقطاب المعلّمين وتدريبهم ونشرهم
بينما تُسلِّط جائحة «كوفيد-19» الضوء على الصعوبات التي يواجهها التربويون في الأوقات التي يتعطل فيها التعليم على الصعيد العالمي، فإنّ هذه الجائحة هي مجرّد أزمةٍ واحدة من بين أوضاع أزمات كثيرة تفرض تحديات أمام استمرارية التعليم وجودته في جميع أنحاء العالم. وأفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (2021) بأن 82.4 مليون شخص قد تعرّضوا للنزوح القسري في نهاية عام 2020 بسبب النزاعات العنيفة والاضطهاد والكوارث الطبيعية.
كرّرت السيدة أنجيلين نيا دونبوا، الأمينة الفنّية للتعليم في حالات الطوارئ في بوركينا فاسو، التقديرات التي ذكرتها السيدة كونستانس أليزويو. وأضافت أنه بوجود ما يزيد عن 1.4 مليون من النازحين داخلياً ومع غلق 2,444 مدرسة في بلدها، فإن نقل المعلّمين من المناطق المنكوبة بالنزاعات إلى القرى المضيفة المكتظة بالسكان في مناطق أكثر أمناً يُشكِّل تحدياً كبيراً. وتناولت غريس*، وهي معلّمة نازحة داخلياً أيضاً من بوركينا فاسو، بصورة أكثر توسعاً التحديات التي يواجهها تعليم الأطفال ممّن تعرضوا لصدمات نفسية. وأوضحت أن بعض تلاميذها كانوا يواجهون مشاكل في التركيز داخل الصف، وكانوا يشعرون بالخوف أو تجاوبوا بطرق عدوانية أو عنيفة. وأشارت أيضاً إلى أنها اضطُرت داخل صفها المدرسي إلى معالجة احتياجات الأطفال النازحين داخلياً والاستجابة لاحتياجات الأطفال في المجتمع المضيف.
الدعم النفسي والاجتماعي والمالي أساسيٌّ لكلٍ من الطلاب والمعلّمين
يبرز الدعم النفسي الاجتماعي باعتباره بُعداً هاماً من أبعاد التخطيط المُراعي للأزمات. وأوضحت السيدة نيا دونبوا أن الحاجة إلى هذا النوع من الدعم قد أعربت عنه بوضوح المجتمعات المحلية المتضررة من انعدام الأمن والعنف في بلدها. وبالإضافة إلى الحاجة إلى الدعم لمواجهة الصدمات النفسية في حد ذاتها، يتعين على المعلّمين أن يكونوا قادرين على التعامل مع الآثار البدنية والمعنوية التي تخلفها الأزمة على طلابهم. وقد دفع ذلك فريق السيدة نيا دونبوا إلى إعداد نموذج للتعامل مع المواقف المسببة للصدمات النفسية من أجل تكملة تدريبات "المدرسة الآمنة" التي تهدف إلى إعداد المعلّمين لحالات الأزمات.
علاوة على ذلك، كثيراً ما يتأثر الاستقرار المالي للمعلّمين في خِضمّ الأزمات وحالات الطوارئ. وأوضحت السيدة نيا دونبوا أن الاستمرار في دفع رواتب المعلّمين اللذين اضطروا إلى الفرار من المناطق غير الآمنة هو أحد الأحكام الواردة في استراتيجية إدارة المعلّمين في أوقات الأزمات. وعلى غرار ذلك، ذكرت السيدة كونستانس أليزويو أنّه في إبان أوقات الأزمة في أوغندا، ظل المعلّمون في المدارس الحكومية يتلقون رواتبهم إلى حين إعادة نقلهم. ومع ذلك، لم ينطبق هذا الأمر بالنسبة إلى معلّمي المدارس الخاصة في أثناء جائحة «كوفيد-19»، بحسب ما أشارت إليه السيدة ستيلا توريهي، وهي معلّمة من أوغندا. وأبرزت السيدة ستيلا توريهي أن الضغوط المالية التي واجهتها المدارس الخاصة في أثناء هذه الأزمة أدّت إلى إغلاق كثيرٍ من المدارس وفقد المعلّمين لوظائفهم.
الامتثال للتدابير الصحية يتطلّب المرونة والابتكار
كان الامتثال للتدابير الصحية المرتبطة بجائحة «كوفيد-19» صعباً أيضاً بالنسبة إلى المدارس وأفضى في بعض الأحيان إلى إغلاقها إغلاقاً تامّاً. ففي أوغندا، حدَّدت التدابير التي أصدرتها وزارة الصحة الحد الأقصى لنسب التلاميذ إلى المعلّمين بمعدل 20 طالباً لكل معلّم. وبحسب السيدة ستيلا توريهي، عانت المدارس الكائنة في مستوطنات اللاجئين - التي تضم أعداداً كبيرة من الطلاب - من أجل إعادة فتح أبوابها. ولكن، استجابةً لذلك، شرع المعلّمون في اتخاذ عدد من الإجراءات بدعم من المنظمات غير الحكومية، مثل وضع نظام نوبات مزدوجة للسماح بإعادة فتح المدارس وتعزيز التعلم عبر الإنترنت من خلال الأجهزة اللوحية والتعلم الجماعي في مجتمعات الطلاب اللاجئين.
علاوة على ذلك، ابتكر المعلّمون وسائل لدعم المجتمع المدرسي بأسرِه في خلال جائحة «كوفيد-19» في أوغندا. وشمل ذلك تنظيم حملات العودة إلى المدرسة، وإنشاء لجان للتواصل مع المتعلّمين والآباء، وتشكيل أندية للطلاب، وتقديم التوجيه إلى المراهقين.
أهمية آليات التشاور والتواصل
إنّ آليات الاتصال واستقاء الآراء الخاصة بالمعلّمين تُعدّ ضروريةً لضمان أن يكون واضعو السياسات على علمٍ كافٍ بالظروف المتغيرة بسرعة التي تتسم بها أوضاع الأزمات. وأوضحت السيدة كونستانس أليزويو أن هناك مستويات مختلفة للاتصال بين واضعي السياسات والمعلّمين والمجتمعات المحلية في أوغندا والطريقة التي يجري من خلالها تكييفها مع التخطيط التربوي المُراعي للأزمات. ويرصد نظام معلومات إدارة المعلّمين مستويات تدريب المعلّمين وخبراتهم التي تُيسِّر نشر المعلّمين والتخطيط الفعال في أثناء الأزمات. وجرى تكييف الاتصالات على مستوى المدارس والمجتمعات المحلية، بما في ذلك من خلال الهواتف المحمولة وأجهزة الإذاعة ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي.
التشاور بشأن وحدة تدريبية جديدة مَعنيّة بالسياسات الخاصة بالمعلّمين المُراعية للأزمات
أطلقت الندوة الشبكية أيضاً مشاورةً دولية لبلورة وحدة تدريبية جديدة بشأن السياسات والخطط الخاصة بالمعلّمين المُراعية للأزمات، والتي من شأنها أن تُكمِّل دليل إعداد السياسات الخاصة بالمعلّمين الذي وضعه فريق العمل الدولي الخاص المعني بالمعلّمين في إطار التعليم حتى عام 2030.
بإمكانكم الاطلاع على مسوّدة الوحدة التدريبية للتعليق عليها، بالإضافة إلى دراسات الحالة المقترحة على الرابط أدناه.
https://docs.google.com/document/d/1NC8h2fNfjYj3CxSI2jkQWOYjy2v5Zz1N/edit
يُرجى التفضُّل بتزويدنا بتعليقاتكم واقتراحاتكم بحلول 1 تشرين الأول/أكتوبر sm.richter@unesco.org.
*خضع الاسم للتغيير لأسبابٍ أمنية
مصدر الصورة: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/إدواردو سوتيراس