تبادَل خمسة عشر معلّماً ومعلّمة من حول العالم تجاربهم مع فريق العمل الخاص المعني بالمعلّمين، مؤكدين أن عملية التعلّم تواصلت في أثناء فترة إغلاق المدارس جرّاء جائحة "كوفيد-19". ويمكن للتحديات التي واجهها المعلّمون والمعلّمات والاستراتيجيات التي وضعوها أن ترشدهم في الخطوات اللاحقة في الاستجابة إلى أزمة "كوفيد-19" مع تخطيط البلدان والمنظمات لإعادة فتح المدارس وتطوير أنظمة تعليم أكثر قدرةً على الصمود.
توازن دقيق: التدريس على امتداد الجائحة
من خلال القصص الفريدة للمعلمين والمعلمات، ظهرت مواضيع أساسية حول التحديات المهنية والشخصية التي يواجهها المعلّمون والمعلّمات في أثناء تفشي الجائحة. وتضمنت التحديات المهنيّة اختلافات في المعرفة الرقمية لدى كل من المعلّمين والمعلّمات وتلاميذهم وفي قدرتهم على الدخول إلى ساحة التعلّم الإلكتروني. كما واجه المعلّمون والمعلّمات تحديات شخصية تتعلق بالحفاظ على توازن بين ساعات العمل والمعيشة اليومية والتعامل معنوياً مع التغيرات المفاجئة التي جلبتها الجائحة.
كما لفت المعلّمون والمعلّمات الانتباه إلى أوجه التفاوت المتأصلة في أنظمة التعليم ومضاعفاتها على التعليم عن بُعد، في البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء.
تستثمر المدارس الخاصة في المناطق الريفية في التعليم المدرسي عبر الإنترنت لتلاميذها. غير أن مستوى الاستثمار غير موحّد وغير متسق بين المدارس... فالتعليم عبر الإنترنت ليس خياراً ذا جدوى في بلدٍ لا يحظى فيه معظم الناس بمنفذٍ إلى شبكة الإنترنت.
ناديا فقير، معلّمة من موزامبيق
يقوم التعلّم الإلكتروني على افتراض أنّ الطلاب لديهم الإمكانية لمتابعة التعلّم عبر الإنترنت في البيت. ومما يؤسف له أن الحال ليست كذلك عند جميع الطلاب. فالأطفال الأقل حظاً يواجهون فرصة أكبر في التخلف عن الرّكب.
آن-فلور لورفِنك، معلّمة مدرسة ثانوية، روتردام، هولندا
سُلّط الضوء أيضاً على العافية الاجتماعية والمعنوية للطلاب في أثناء العودة إلى المدارس، ولا سيما أن سلامة ساحات المدارس هي أمر ضروري لأنشطة التدريس والتعلّم.
نحن قلقون أيضاً حيال العافية الاجتماعية والمعنوية لطلابنا... [] المدارس هي أكثر من مجرد أماكن تنتقل فيها المعرفة؛ فهي المكان الذي يختلطون فيه اجتماعياً والمكان الذي يكبرون فيه. المدارس هي أماكن آمنة لمَن ليس لديهم بيوت مستقرّة. فكيف يمكننا ضمان ذلك عن بُعد؟
آن-فلور لورفِنك، معلّمة مدرسة ثانوية، روتردام، هولندا
لقد ترك الإغلاق الفجائي للمدارس للمعلّمين والمعلّمات قليلاً من الوقت للاستعداد. ولم يكن واضحاً لبعض المعلّمين والمعلّمات كيف ينبغي لهم استخدام أدوات التعليم المختلفة عبر الإنترنت وعن بُعد، وما هي مضامين هذه الأدوات لمهنة التدريس والتحقق من تعلّم الطلاب. وكانت خبرات المعلّمين والمعلّمات في استخدام التقنية في التدريس مختلفة المستويات. ولم يكن التحوّل إلى التعليم عن بُعد عمليةً سهلة ولا سلسة بالنسبة إلى بعض المعلّمين والمعلّمات.
"جاءت الأخبار حول تفشي جائحة "كوفيد-19" مباغتة للغاية، بحيث أصابتنا بالذهول في البداية. ومع ذلك، بدأنا فوراً في تنشيط منصات متنوعة لنكون جاهزين لتوفير التعلم عن بُعد... ولم تكن العملية سلسلة مع ذلك."
باربرا ريكاردي، معلّمة مدرسة ابتدائية، روما، إيطاليا
"لم تكن مبادرةً يسهل اتخاذها. فقد كانت الموارد تنقصنا، إذ لم نكن على استعداد لهذا الإغلاق الطويل. ولم تكن لدينا مهارات في التعامل مع منتجة الفيديو. وعلى الرغم من التحديات، فقد نجحنا في الأمر."
شايلا شارمين، زميلة، التدريس من أجل بنغلاديش
استراتيجيات لضمان عدم توقف التعلّم
في تطويرهم استراتيجيات لمواصلة التدريس والتعلّم، اضطُر المعلّمون والمعلّمات إلى مراعاة عوامل كثيرة، ومنها السبل المتاحة لهم لاستخدام التكنولوجيا، وفهمهم للسبل المتاحة للطلاب في الدخول إلى المنصات التقنية واستخدامها، ومعرفتهم بكيفية تعلّم طلابهم. وقد كيّفوا ممارساتهم التدريسية طبقاً لذلك، مع الحفاظ على إتاحة وقتهم ووجودهم معنوياً مع الطلاب طيلة العملية.
وقد أظهر المعلّمون والمعلّمات أيضاً التزامهم باستخدام الموارد المتعددة لضمان استمرار التعلم برغم التقطع في جداول المواعيد المدرسية وإغلاق المدارس.
أنا أعمل في مجتمع يعاني الفقر الشديد، وذي موارد قليلة. وبالتعاون مع زميلاتي المعلّمات وضعنا أفضل الطرق للعمل مع هؤلاء الطلاب، من حيث واقعهم الاجتماعي والاقتصادي.
ديبورا غاروفالو، معلّمة تكنولوجيا في شبكة التعليم العام البرازيلية وإحدى مديرات التكنولوجيا في أمانة التعليم لولاية ساو باولو
لقد اضطُررت لذلك إلى تعديل طريقة تدريسي لمن يتقدمون بوتيرة أبطأ، نظراً للافتقار إلى الانضباط الذاتي أو للاكتئاب بسبب العزلة. أبدأ كل درس بتشجيع معنوي، وألتمس التعقيبات حول مشاعر الناس، وأبطأتُ وتيرة تدريسي أو توقعاتي عموماً... وقد حاولتُ أن أحافظ على بساطة التدريس لأن التلاميذ أمامهم كثير من الدروس عبر الإنترنت...
مارجوري براون، مدرسة رودين، جنوب أفريقيا، متأهلة لنهائيات جائزة ڤاركي للمعلّمين والمعلّمات
لقد اعتمد المعلّمون والمعلّمات على التعاون مع الزملاء لتطوير أنظمة الدعم في سبرهم أغوار التدريس عبر الإنترنت التي لا يعرفون عنها شيئاً كثيراً وتطوير معرفتهم العملية الفنية. وقد أثبت الدعم من الزملاء في أوضاع مماثلة أهميته مع تطوير مهارات التدريس عبر الإنترنت. وظهرت فعاليةٌ أكبر لفُرص التطوير المهني عندما استندت إلى أوجه التعاون المهني بين المعلّمين والمعلّمات أو استفادت منها. ويشير بعض المعلّمين والمعلّمات إلى الحاجة المتواصلة للشراكة وأوجه التعاون التي تطورت في أثناء هذه المرحلة، وإلى قيمتها.
ظهرت قوة مجتمعنا المهني في هذه الأيام الأولى، مع دعم الزملاء لأحدهم الآخر في عملية الانتقال وتعلّم أدوات تدريسية جديدة ومناقشة كيفية دعم التعلّم عن بُعد [...]
ويندي وايت، مدرّسة الصف الخامس في مدرسة ابتدائية، سيراكيوز، نيويورك، الولايات المتحدة
حين جاءت الأخبار بأن المدارس ستغلق أبوابها، تعاونّا فعلاً كفريق. اجتمع المعلمون والمعلمات في المدرسة لحضور جلسة تبادل أفكار وبدأوا بتحويل المنهج إلى منهج إلكتروني في يوم واحد فحسب [...] وما يتيح إدارة هذه العملية هو أننا نشارك في هذا العمل معاً. تسارعَ تطوير المعلّمين والمعلّمات، وكان التعلّم عن طريق الأقران أساسياً في ذلك [...]
آن-فلور لورفِنك، معلّمة مدرسة ثانوية، روتردام، هولندا
هناك عامل آخر ظهر في ردود المعلّمين والمعلّمات وهو أهمية الشراكات والتواصل مع أولياء الأمور في ضمان مواصلة التعلّم لدى الأطفال. وأظهر المعلّمون والمعلّمات وعياً وفهماً للتحديات التي يواجهها أولياء الأمور في خلال تفشي الجائحة. وقد دفع هذا الأمر بالمعلّمين والمعلّمات إلى تصميم استراتيجيات تنطوي على أولياء الأمور لتشجيع التعلّم التعاوني بين الطلاب وأولياء أمورهم أينما كان لذلك جدوى.
أنا أساعد أولياء الأمور والأُسرة بتقديم نصائح واقتراحات حول كيفية تنظيم وتيرة الدراسة المنزلية (مع طرح أمثلة عملية) وكيفية زيادة قائمة الأنشطة... كما أقدّم إرشادات حول كيفية مساعدة الطلاب على استيعاب ما إذا كانوا قد تدبّروا بلوغ كل أهداف التعلّم.
ديبورا غاروفالو، معلّمة تكنولوجيا في شبكة التعليم العام وإحدى مديرات التكنولوجيا في أمانة التعليم لولاية ساو باولو
لقد شكّلت الشراكات القوية بين أولياء الأمور والمعلّمين والأطفال مورداً رائعاً في نجاح عملية التعلّم عبر الإنترنت.
ويندي وايت، مدرّسة الصف الخامس في مدرسة ابتدائية، سيراكيوز، نيويورك، الولايات المتحدة
وقد سلّطت بعض تجارب المعلّمين والمعلّمات أيضاً الضوء على الحاجة إلى تطوير نهج حذر في اعتماد التعلّم عبر الإنترنت. في السياقات الضعيفة الموارد وفي المدارس التي تجتذب الطلاب من فئات سكانية محرومة اجتماعياً واقتصادياً، يسلّط المعلّمون والمعلّمات الضوء على إمكانية مفاقمة التعلّم عبر الإنترنت، عند اعتماده، أوجُه عدم المساواة في التعلّم. ويتطلب ذلك بعض التخطيط للتخفيف من أوجه عدم المساواة المتنامية، ومنها الاستفادة من البث عبر وسائل الإعلام والمواد المطبوعة الأساسية.
بعض الدروس للتخطيط للخطوات التالية
تختلف تجارب المعلّمين والمعلّمات تبعاً للبلد، ونوع المدرسة، والمادة المُدرّسة، والمنفذ إلى التكنولوجيا أو بنيتها التحتية، والخلفية الاجتماعية الاقتصادية للمعلّمين والطلاب. ومع ذلك، يمكن استقاء ثلاثة دروس أساسية من الشهادة المتبادلة.
أولاً، يشكّل المنفذ المتاح إلى البنية التحتية للتعلّم عبر الإنترنت أهمية حاسمة في ضمان التعلّم المتواصل. ويُظهر المعلّمون والمعلّمات ممّن لديهم تعامل سابق في استخدام تكنولوجيا الإنترنت استعداداً أكبر لتوظيفها. ومع ذلك، فإن الانتقال إلى طُرق التدريس والتعلّم الجديدة لم يكن سهلاً. فقد اضطُر المعلّمون والمعلّمات إلى التعامل مع تحديات منها البحث في التكنولوجيات المختلفة وما يمكنها أن تقدّم، مع ضمان ملاءمتها لتدريس المادة، والتعامل مع التحديات الاجتماعية والمعنوية الشخصية، واستيفاء احتياجات التعلّم واحتياجات طلابهم الاجتماعية والمعنوية.
ثانياً، اكتسب المعلّمون والمعلّمات فهماً مناسباً لاحتياجات التعلّم لدى طلابهم في أثناء الجائحة. ويتعيّن على هذه المعرفة أن يُسترشد بها في الخطوات اللاحقة في استراتيجية الاستجابة التعليمية. وقد وضع المعلّمون والمعلّمات في الصدارة احتياجات طلابهم وتعاملوا مع التحديات السياقية التي يواجهونها في الدخول إلى منصات التعليم الإلكتروني أو غيرها من فُرص التعلم. وبينما تخطط البُلدان استراتيجيات لتقييم تعلّم الطلاب في هذه المرحلة والبناء عليه، فإن الاستفادة من هذا الوعي والمعرفة من شأنه أن يشكّل أهمية بالغة. في إحدى التجارب التي طُرحت على سبيل المثال، ساعد الحوار المدرسي الذي انطوى على المعلّمين والمعلّمات على بناء الثقة والحفاظ على استمرارية التعلّم لدى الطلاب.
ثالثاً، هناك عدّة استراتيجيات وممارسات طوّرها المعلّمون والمعلّمات للتكيف مع المطالبات بإغلاق المدارس، بما فيها التجارب في استخدام منصات التكنولوجيا المختلفة، ويمكن تسخيرها واستخدامها في بناء قدرة أنظمة التعليم على الصمود. وهناك ممارستان هامّتان للغاية يمكن تعزيزهما وهما بناء شبكات دعم الأقران، وتأسيس قنوات تواصل مع أولياء الأمور لضمان مشاركتهم في تعلّم الطلبة.
إنّ الاستماع إلى تجارب المعلّمين والمعلّمات والحرص على معالجة مخاوفهم على نحو لائق - وتعزيز التدريس والتعلّم - سيكون بالغ الأهمية مع انتقال البلدان إلى المرحلة التالية من تطوير استجابات التعليم تجاه الجائحة.
قراءات أخرى: دعم المعلّمين والمعلّمات في جهود العودة إلى المدارس - مجموعة أدوات لقادة المدارس