تسعى مؤسسة حمدان بن راشد آل مكتوم، والتي أسسها سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم في عام 1998، إلى تعزيز الجودة والتميز في التعليم بما في ذلك النهوض بأداء المعلمين على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. كل من اليونسكو وفريق العمل الدولي الخاص المعني بالمعلمين ممتنون لدعم المؤسسة لعملنا العالمي في دعم المعلمين منذ عام 2008. في نعي الشيخ حمدان – رحمه الله - والذي وافته المنية في وقت سابق من هذا الأسبوع، نشارك هذا المقال من أحد أعضاء اللجنة التوجيهية للفريق.
لا أجد بداية لهذا المقال أفضل مما غرّد به صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمك الله يا أخي وسندي ورفيق دربي وأحسن مثواك وضعت رحالك عند رب كريم رحيم عظيم»، نعم ترجل فارس التميز والإحسان. كلمات تلخص مسيرة عطرة لسمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم الذي رافق المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان والشيخ راشد بن سعيد في رحلة تأسيس الدولة، تعلم الكثير منهما وأسهم معهما في بناء هذا الوطن. فهو أول من تولى حقيبة «المالية والصناعة» على المستوى الاتحادي، إيماناً منه بأهمية المال والصناعة في بناء الدول. وعلى صعيد إمارة دبي شغل منصب نائب الحاكم، وترأس العديد من الهيئات منذ تأسيسها كبلدية دبي، وهيئة الصحة. وكعادة الآباء المؤسسين للدولة، كان للشيخ حمدان مجلسان مشرعة أبوابهما للناس: أحدهما في الصباح الباكر، والآخر بعد المغرب، يلتقي خلالهما بعامة الناس، ويكمل لقاءاته مع كبار المسؤولين حتى آخر المساء، حرصاً منه على إنجاز العمل.
في هذا المقال سأعرج على اهتمام الشيخ حمدان بالتميز والإحسان، من خلال تعاملي المباشر معه في رحلة جاوزت العقدين. ففي عام 1998 أمر رحمه الله بإطلاق مبادرة تميز في المجال التعليمي هي جائزة «حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز»، كانت فلسفة المغفور له الشيخ حمدان أن التميز الذي يأتي من الميدان هو أصدق أصناف التميز، وينبغي تشجيعه، وإبراز المتميزين من أهله كي يكونوا قدوة لغيرهم. تطورت هذه الفكرة حتى أصبحت اليوم راية عالمية، تقودها مؤسسة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز، فتنوعت الجوائز من المحلية والخليجية والعربية والإسلامية، إضافة إلى جائزة حمدان اليونيسكو العالمية. وتبلغ قيمة الجوائز التي أمر بها أكثر من عشرة ملايين درهم إماراتي سنوياً، لذلك استحق رحمه الله أرفع ميدالية تقديرية من اليونسكو تقديراً من المنظمة لجهوده في الارتقاء بالتعليم. إضافة للجوائز أمر بإنشاء مركز حمدان للموهبة والابتكار والذي يعد حاضنة وطنية للابتكار. ومن خلال هذا المركز تم تطوير مقياس حمدان للموهبة والأداة العلمي المقننة لاكتشاف الموهوبين في الإمارات تمهيداً لرعايتهم، كما تم تطوير معايير عالمية لجودة المدارس بالتعاون مع المنظمة الأوروبية للجودة الشاملة، تحت مسمى نموذج حمدان EFQM. فعبر هذا النموذج العالمي تبدأ وتقاس رحلة التميز المدرسي ، وقد أمر رحمه الله برعاية المتميزين من التربويين عبر تقديم منحة سنوية لدراسة ماجستير التربية الابتكارية التي تنفذها جامعة الإمارات.
وتتويجاً لعطاء الشيخ حمدان بن راشد تم إنشاء هيئة آل مكتوم الخيرية عام 1996، والتي نشرت عطاءه في أرجاء المعمورة. فمن المركز الإسلامي في دبلن بإيرلندا الذي أنشأ عام 1996، إلى مركز دراسات اللغة العربية في جامعة أستراليا الوطنية. وبين هذين المركزين تم افتتاح العديد من المراكز في أكثر من 69 دولة تقدر ميزانية هيئة آل مكتوم الخيرية بمئة مليون درهم تبرعاً منه لأعمال الخير. ومن أهم أنشطة الهيئة بناء وتطوير المدارس إيماناً منه بأن التعليم يفتح للناس أبواب الرقي. ترعى الهيئة في أفريقيا فقط أكثر من 40 مدرسة شاملة في 20 دولة أفريقية يدرس فيها أكثر من 16 ألف طالب. كما أمر رحمه الله بإنشاء «كلية آل مكتوم للدراسات الهندسية» في تنزانيا. و«كلية العلوم» في جامعة أفريقيا، ومعهد الشيخ سعيد بن حمدان آل مكتوم للتكنولوجيا في الهند، ومدرسة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم في المكسيك، كلية آل مكتوم للدراسات العربية والإسلامية في سكوتلاندا، كما تم إنشاء المراكز الإسلامية في أكثر من 20 دولة أوروبية، إن مسيرة التميز والإحسان التي بدأها الشيخ حمدان رحمه الله، لن تحط رحالها، فكلنا ثقة في أنه قد تربى على يديه الكريمتين أنجال يحملون راية التميز والإحسان من بعده. رحم الله الشيخ حمدان وأسكنه فسيح الجنان.
* أكاديمي إماراتي